U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

مــوت أم .. بقلم الكاتبة إكرام عبدالله



يكتظُّ الفراغ بأصوات باكية، أُقاتِلُ يدي جدتي وأتمسكُ بها راجية عدم محاولة إغلاق عينيها.   
جدتي لا! أرجوك لا تغلقي عينيها، هي حالة تشنج كالعادة، هي لن ترحل كما تظنين.  
 أصارع يديها ووجهي غارقٌ في فيض الدموع وانسيابها على وجنتيّ؛ رُبَّما أنا مَن ستُغادرها الروح قُبيل روحِها- لا يريد قلبي أن يشعر بأنهُ يتيّم أرجوك جدتي  كُنت طفلةً صغيّرة تتسلق يدي جدتي وأحاول كسر غصنها الذي يمتد أفنان الشجرة لوجهها مُحاولًا  إغلاق عينيها.  
" عروق عُنقها " برزت بشكلٍ مُخيف وكأن عنقها شجيّرةٌ انتزعت من الأرض وجذورها الكثيفة ملأت الأرض، كان عنقها وكأنهُ خيوطٌ مُتشابكة بفعل ألم سكرات الموت، رأيتُ عينيّها تُحدقان بيّ، تنظران حالي، تُحاول مُناداتي.  
 لايزال اسمي بثقل صوتها كجرسٍ صاخب يرن في أذني، وكأنهُ لحنُ عزاء لم ينتهِ -مرّت الأعوام والأعوام- ولا زال صوتها المتألم يدبُّ في أجواف رأسي تُناديني لأقترب، تُحاول الحديث ولكن يأبى صوتها أن يقول شيئًا غير اسمي..! نادت باسمي ثلاثًا ورابع صوتٍ تلفظتهُ روحها وهي تُغادر، رُبما الجنون كان رفيقًا لي آن ذاك، عويل صوتي دبَّ أرجاء المكان، احتضنتها، قبّلتها، ضربت جسدها مُعاتبة  لماذا رحلتِ وتركتني..؟! نسيتِ بأني وعدتكِ بأن الرحيل الأول هو لي..! تعلمين كم أني سأكون يتيّمةً دون وجودكِ، لماذا لا تزال وجنتيّها ملأى بالدموع..!
 لا يحق لها البكاء وقد رحلت وتركت خلفها قلبًا يبكي رحيلها الذي لن تعود بعد حدوثه، يحتضن الجميع جُثماني، فأشن حربًا عنيفة عليهم عندما حاول الجميع أخذكِ من أحضاني، حاولت جاهدة عدم جعلهم يأخذونكِ، ضربني والدي حتى شعرت بأني فقدت وعيي؛ تركني الجميع وهم لجثمانكِ يحملون، وها قد أصبحَ الجُثمان في غضون ثوانٍ نعشٍ في مسيّرهم بهِ  يقولون: الحيّ هو اللّه.  
 لماذا الجميع يتداول كلماتٍ غريبة لماذا يرجو الجميع لي الصبر..!
 لماذا أنظر في أعين الجميع شفقةً تجاهي..!
 قلبي اليتيّم تعلمين ماذا كان يجبرني أن أفعل..!  
 دومًا كنت أترك الجميع لأتمرغ بين جنبات ثيابكِ أتعطش للحنان، فأرميّ بثقل كاهلي بين طيّات ذكرياتكِ ووجودكِ المنعدم اليوم، أبكي وما عادت يداكِ هي من تمحُ عينيّ الغريقتين.  
 أستيقظ كل ليلةٍ فزعة، خائفة، باكية أتحسس وجنتيّ اللتين ترسمين قُبّلاتكِ عليهما كما كنتِ قبل ثمانية أعوام، عندما كنتِ روحًا وجسدًا معًا، أفتقدكِ - أفتقد كل شيء معكِ. 
 أن تفقِد - ما يعني أنْ تموت ببطء أن تموت الروح ولا تزال قيّد الحياة تموت أزهاري الواحدة تلو الأخرى دون أن يكون هُنالك رغبةٌ لأنعاشها ما عادت الدُنيا ذات ألوانٍ عديدة لها لونٌ قاتمٌ واحد" يتسلط بين طيَّات الوجود طيف وجودها المفقود.



ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة