مررت على قصة أبينا آدم عليه السلام ، فرأيت أن بداية العقوبة ، والانتباه للعوج غالبا ما تكون بعد مقارفة المعصية
( فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى )
لكن يسبق ذلك الانزلاق أسباب متعددة نذكر منها في ضوء قصة آدم ما يلي :
1- استخدام وسائل التزيين والإغراء ودغدغة النوازع البشرية للسلطة والتملك الدائم دون مُنازع
( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى )
2- مهارة العدو في الدفع بك إلى مستنقعه ، فإنه لا يفتأ عن سحبك إلى ميادين بعيدة حتى ينسيك أصل المسألة ، فيجعلك تفكر بطريقته هو ( نستطيع أن نسمي هذا فن الإضلال والمغالطات )
( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين )
فالشيطان هنا ابتدأ بتذكيره بالنهي ، ولكنه انحرف بتأويل علة النهي إلى مساق آخر ، حتى ينسيه أصل النهي الإلهي
( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) .
3- ربط الشخص بما يقدسه والظهور بإرادة حب الخير له
( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين )
التأكيدات الثلاثة ( اليمين ، وحرف التوكيد إنّ ، ولام التوكيد "لمن " ) فيها إشارة على الجهد الكبير الذي بذله الشيطان في إغواء أبي البشر عليه السلام .
4 - يستطيع خصمك أن يهز إيمانك ، باستخدام تعليلات "ما ورائية " قد لا تخطر على بالك
( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) ، وعندما يتأكد أن مفعول كلامه بدأ يؤثر فيك ، فلا يتردد في دفعك إلى تنفيذ ما يريد ببعض ما قد استغفلك به قبلاً ، وهو بهذا يثير اعجابك "بالماديات"
( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) .
إن الصراع الداخلي الذي يحدث في النفس البشرية للموازنة بين الروحانيات والمحسوسات ، كثيراً ما تكون فيه الغلبة للماديات على الغيبيات .
ولما كان لكل منا جهد وطاقة محدودة للتحمل ، فإن آدم عليه السلام وصل إلى مرحلة الضعف والافتتان بما زينه له الشيطان ، لذلك سقط في حبائل ذلك العدو واستجاب لنوازعه الداخلية مشدوهاً عن الاستمرار بتنفيذ الأمر الإلهي بالامتناع عن الأكل من الشجرة
( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما )
( لذلك فإن عدوك - في كثير من الأحيان - لا يحتاج أن يمارس عليك الكذب الصريح حتى يوقعك في مكيدته ، بل قد تكون الحقيقة الجزئية وقول الصدق من أكثر الطرق دهاء وحيلة لإيصالك لما يريد ) .
إرسال تعليق