في وضح نهارٍ شديد الحرِّ، ضربت صاعقة ذاك الخبر، تراكمت الغيوم السوداء، لتُنبِئ عن غياب النور، وهطول الدموع، ورعد الفراق، وسط الزحام وحيدًا كان، فقد السمع بفقد الصوت الحنون، وبهتت الرؤية حتى توارى جسدها تحت التراب، فما عاد يبصر بعدها، كم فتش عن حاسة شمه، عبر روائحٍ عدة! فما اشتم بعد طيبها شيئًا.
شاخ قلب الطفل في ساعة، فصار يبحث عن متكئٍ يحمل ضعف قلبه، كم مُدت له أيدٍ في ساعة من ذاك الزمان أو ساعتين، ثم رفعت على عجل، وسقط القلب بلا عكاز، منكسرًا.
رحل عنه منعش روح الطفولة، إذ بكل حضن، وضمة بين ذراعيها، تنتعش الروح وتطيب النفس، وترتسم البسمة، فكان آخر عهد له بروح الطفولة، عند وضح ذاك النهار، فكيف لأحدٍ أن يعيش، هَرِم القلب، ذابل الروح، فاقد الحس؟
إلا أن يكون العجي، وماهو إلا العجي، فاقدُ أمه، برحيلها إلى مثواها الأخير، تُرِك في مثوىً حالك.
وما أشده ألمًا حين يصارع، الفقد، والهرم، والذبول، عند النوم، فما يكون للعقل حينها من ميدان يفر إليه، إلا أن يُؤخذ عنوة لساحة الذكرى.
فما كان لهذا الطفل من مواسٍ - بعد أن أمضى عقدين من عمره، في أعقد ظروف الحياة- إلا منديل يواري دمعته، ويخفي ضعفه، ليظهر قوته، يشكو له بلغة الفراق شوق الحنين، فلمًا طار المنديل بلحظةٍ بعيدًا عنه، رأيتُ فيه ذاك الذي مرّ عليه، منذ وضح ذاك النهار.
إرسال تعليق