حول النقد وأهميته الجزء الثالث(٣-٩).
من جماليات النقد أنه مرحلة موازية أو لاحقة لأي حدث فكري أو عملي كما أشرنا له سابقًا ، لذا فإن الخوف منه يُعَدّ من أهم أسباب الفشل .
كلما كان مصاحباً ومتزامنا مع التنفيذ ، فإنه يغدو مجهراً مهماً لتشخيص العلل التي ينبني عليه معالجة الخلل ، وصولاً إلى ذكر البديل الأنسب ...
إن منهجية القرآن الكريم ، في التقييم والتقويم ؛ للقائد والمجتمع والأمة ( عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً .... ) كانت تتزامن مع كل خطأ واعوجاج ، ولم يزعم أحد أن هذا التقييم وإبلاغه وقت نزوله قد يؤثر في الأمة الناشئة أو يستفيد منه عدو المسلمين كما يقال الآن في مواجهة من يقوم بالنقد البناء !!!!! ، ولقد كانت من النتائج المدهشة للتقييم والمنهجية القرآنية فيه ، أن تجاوزت أمة الدعوة الوليدة كثيراً من انحرافاتها ، فانتشر صيتها وعظُمَ وجودها خلال ثلاثة وعشرين عاماً.
وهذا ما يحتم علينا ممارسة النقد الداخلي لمسارنا التاريخي ، من أجل معرفة مكان تعرجاته وتموجاته ، حتى نستطيع الوقوف على أرضية صلبة لاستعادة فاعليتنا ، سعياً للوصول إلى مرحلة الشهود الحضاري بين الأمم ...
ومن الخطأ الجسيم أن نتعامل مع النقد والناقدين بإحدى صورتين كل واحدة منهما لا تقل ضرراً عن أختها :
أولاها : أن نقف موقف الدفاع ، أو نقارن وضعنا بالغير فنرى أنفسنا أفضل الموجودين ، لأن ذلك يجعلنا نعمى عن رؤية أخطائنا ، أو نميل للدعة والارتياح والكسل المعرفي ، مستجيبين ومكتفين بالمدح المنقوص والثناء الزائف ، فلا ننتبه إلا وقد وقع الفأس في الرأس .
ثانيها : استمرار قراءة التاريخ والتراث بمراحله المشرقة فقط فهذا لا يخدم الإصلاح الحقيقي ، بسبب افتقاده للرؤية الموضوعية ، إذ من السلبيات التي تترتب على ذلك أن يُطْلَب من الأمة في وقتنا الحاضر البحث عن حلول لمشاكلها المعقدة والمتشابكة في كتب التاريخ لغرض الحصول على نموذج ناجح لتطبيقه في عصرنا الراهن ، وحتى لا يذهب ظن القارئ بعيداً فإن القرآن الكريم وتشريعات النبي الرسالية ، ليست كتب تاريخية ، بل هي منهج خالد حتى قيام الساعة .
إن الانزياح للأسلوب التبريري الباحث عن حلول قديمة مر زمنها واختلفت وسائلها يجعل التاريخ يعيد نفسه بإخفاقاته التي نلمسها في واقعنا.
إرسال تعليق