U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

كما وَرَد| طاهِر نصر المنصوري


 


كما ورد

مشاهد هى الأولى من نوعها بدأت تفاصيلها تُسرَد تِباعا؛ فبعد أن غادرت منزلي توجهت نحو أحد الأسواق التجارية وهناك رأيت الناس يتعاملون في البيع والشراء بعملات ذهبية وأخرى فضية تحمل اسم ( البنك المركزي العربي) وخلال تجوالي وعلى بعد بضعة أمتار لمحت محل الصرافة فتوجهت نحو بابه ثم دلفت سريعا، ومن ثم سألت عن سعر صرف الدولار فرد علي موظف المصرف قائلا: "معذرة" سيدي ليس هناك أي تداول للدولار في وطننا ثم ابتسم قائلا: "من أي بلد أجنبي أتيت للتو؟"

فنظرت إليه شزرا" ظنا" مني أنه يمازحني ثم غادرت المصرف وفي رأسي آلاف من علامات الاستفهام.

عبرت إلى الشارع المقابل وأخذت أمشي ولم أزل حائر الفكر، وبالمصادفة رأيت أحد جيراني خارجا من مكتب إحدى وكالات السفريات وبيده تذكرة سفر وقد دار بيني وبينه هذا الحديث:

- إلى إين ستسافر؟
- إلى الكويت ومن ثم إلى الأردن في رحلة عمل.
- ومتى أنهيت إجراءات معاملة الجواز والفيزا؟
- ضحك وقال: "إيش من جواز وإيش من فيزا يازعام باسافر روما وأضاف ياجاري العزيز ألم تعلم بعد بأن تَنَقُلنا داخل وطننا العربي قد أصبح  بالبطاقة الشخصية فقط".

رن تلفوني فتأهبت للرد، حينها ودَعَنِي ومضى في سبيله 

خمسون مترًا" قطعتها مشيا" باتجاه إحدى الساحات العامة وعندما اقتربت منها نسبيا تناهت إلى مسامعي جلبة وضوضاء وبفضولي المعهود صممت على أن أعرف ما الخطب ولذلك اقتربت من مصدرها وإذا بي أرى تلك الجماهير الغفيرة من المواطنين التي امتلأت بهم تلك الساحة والتي تمتد لكيلومترات، والبعض الآخر قد أخذوا أماكنهم على أسطح البنايات والجميع أصواتهم تعلو بالتهليل والتكبير وعلى شرفات المنازل نساء يزغردن وأطفال لا أكاد أميز ما يقولون.

هناك صخب قادم لم تقو أذناي على تحمله لشدته وهاهو يقترب شيئا فشيئا؛ فتريثت مكاني لدقائق معدودة حتى بدت أولى الطلائع لجيش من كل الجنسيات العربية فوقفت لمشاهدته لمدة ساعة تقريبا.

يارباه !  لم يحدث لعيني أن رأت مثيلا لجيش بهذا العدد الهائل ومازالت الكتائب تتوالى تباعا.

هناك على الجانب الآخر عبور هادر لقوة عسكرية ثقيلة بأنواعها المختلفة ومعدات عسكرية وحاملات عتاد وجند يعلو على كل منها علم موحد وقد نحت على واجهاتها شعار موحد، كنت مندهشا" أيما اندهاش وغارقا" في تفكيري بحثا" عن تفسير لما يحدث!

من الجو فاجأتني الطائرات الحربية بضجيجها الذي شق صمت لحظات تأملي
فتمتمت قائلا: "لاشك أن هناك خطب جلل وإلا لما أصبح الأمر على هكذا حال!"

صممتُ على الرجوع إلى منزلي وفي طريق العودة كنت أحث الخطى وعند وصولي إلى الباب بدأت أقرعه قرعا متواصلا وما إن فُتِح لي حتى هرولت إلى غرفة الجلوس متشوقا لمشاهدة أخبار مايجري كنت أُقَلِبُ في أسماء القنوات الفضائية على نحو جنوني وإذا بالمذيع على إحدى القنوات الإخبارية يقول:
من قناة الوطن العربي الواحد نحييكم وإليكم آخر الأخبار ...في زمن قياسي جيش الأمة العربية يحرر أرض فلسطين من دنَس الصهاينة الأنجاس ... مراسل القناة يتحدث بكل عزة وشموخ قائلا: "الشوارع والأزقة تكتظ بجثث المجندين الصهاينة وآخر طائرة إمريكية أقلعت قبل قليل كان قد صعد على متنها تسعون مستوطنا."
وأضاف ندعوكم لمشاهدة  هذا النقل المباشر من ساحات المسجد الأقصى للجيش العربي المسلم الذي يملأ المسجد وباحاته وهاهم رجاله وكما تشاهدونهم يسجدون لله سجدة الشكر واختتم بقوله وطن عربي واحد جيش عربي واحد عاشت الأمة العربية حرة عزيزة موحدة.

سمعت طائرة حربية كانت قد اخترقت جدار الصوت ومن ثم دوي انفجارات متتالية هزت أرجاء الحي بما فيه؛ فنهضت على الفور متحمسا أردد وبصوت مرتفع  وطن عربي...جيش ... عاشت ال أ م ة... إلخ.

أمتلأ المنزل بالصراخ والعويل، تلاه تدافع سريع إلى حيث أنا فتوقفت عن الترديد وانقطع حماسي والتفت بسرعة، إنهم أطفالي وأمهم قد حشروا أنفسهم في إحدى زوايا الغرفة كعصافير بللها المطر يرتعدون بوجوه شاحبة وشفاه يابسة وعيون طغى الإصفرار على بريقها...حملقت فيهم ثم قلت ما الذي حدث؟

وفجأة لم أر أكبر أبنائي ذو الخمسة عشر ربيعا فسألت هل عاد أخوكم معكم من المدرسة؟
لم يرد علي أحد، وكنت أشعر بالعطش فقلت إلي بكأس من الماء حالا!
قال أحدهم ألا ترى بأننا لا نستطع الوقوف من مكاننا بسبب الفجيعة وهنا تدَخلت الزوجة وبنبرة صوت يخالطه الألم والحسرة قائلة:

- عن أي مدرسة تتحدث أنسيت
أن ابنك يعمل في إحدى ورش الحديد التي تقع في أطراف مدينتنا؟!
- قلت: نعم صدقت.

ولم أفق تماما إلا عندما رأيت جدران المنزل قد أصابتها تشققات بالغة وزجاج النوافذ قد تطاير داخل الغرف وأثاث المنزل قد أصبح رأسا على عقب، إنها إحدى طائرات تحالف الشر كانت قد استهدفت وسط حَينا الآهل بالسكان الأبرياء
صوتُ سيارات الإسعاف وعربات الدفاع المدني بدَدَت رهبة الموقف فهرعت مسرعا" في الظلام للمساعدة في إنقاذ من يمكن إنقاذه وانتشال جثث الضحايا حينها كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة صباحا"

ولما جن الليل وبعد صلاة العشاء جلسنا لمشاهدة الأخبار فلم نشاهد أو نسمع عن أي ردة فعل حول ماحدث ويحدث فالشعوب العربية لازالت مغلوبة على أمرها وزعماء العرب مازالوا مطايا مثلهم، مثل أكبر مطية أمين عام الجامعة العربية الذي لم يفق من سباته العميق بعد، أما الأمين العام للأمم المرتهنة كعادته مازال يعبر عن قلقه.

بقلم الأستاذ/طاهر نصر المنصوري
5مارس 2021م


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة