إعلامنا المتغرب، وتغيّيب الهوية!
لطالما سمعناهم يقولون إن الإعلام هو ما يمثل وجه الشعوب وثقافاتها، إلا أن ذلك ما لم ينطبق على إعلامنا، فهو من الإعداد حتى الإخراج، ومن التحضير حتى التنفيذ، وهو يمثلُ وجه الغرب وثقافته، وأسلوب حياته، ونمط معيشته، وهذا الأمر لا يُخفى على كل متابع فَطِن، فغالب ما ينشرونه مخالفٌ لقيمنا ومبادئنا الإسلامية، وعاداتنا وتقاليدنا العربية، تلك التي تميزنا عن غيرنا من الأمم والشعوب، وتجعلنا الأفضل؛ تحقيقًا لقوله تعالى: (( كنتم خير أمة أخرجت للناس .. )) فوصف الله لنا بالخيرية ليس لاحتوائنا ثقافات الغرب وعاداتهم، ولا لإعلائنا لتقاليدهم، لا! ولكن بانتمائنا لهذا الدين الحنيف!
- لذلك اسمحوا لي هنا أن أطلعكم على جانبٍ من صورة إعلامنا المهترئة، وكيف أصبح غربيًا بامتياز من رأسه حتى أخمص قدميه، فقَلدُوهم في كل شيء! إلا أن شيئًا واحدًا ما رأيناهم قد قلدوهم فيه وهو “الرأي والرأي الآخر“ فهذا محرمٌ على إعلامنا ولا نية عنده لتقليدهم فيه ! التميع والتفسخ، فهم السَّباقون إلى ذلك وقنواتنا في تنافس شديد على من #يتفسخ_أكثر!
- ومن ذلك التفسخ ظهور النساء متبرجات وكاشفات لِما أمر الله بستره، بل وأصبح قوام القناة يعتمد على مفاتن النساء، ولهن النصيب الأكبر في التقديم والإعداد باعتبارهن سلعة مناسبة لكسب المشاهدين، وهذه ثقافة هجينة لا يعرفها المسلم؛ فضلًا عن العربي، الذي قال أحدهم وهو معرضٌ بصره عن عورة جاره:
وأغض طرفي كلما بدت لي جارتي **
حتى يآوي جارتي مأواها!
ومن الانحطاط والتقزم؛ إظهار العلماء والدعاة الملتزمين في صورة مغايرة للواقع، فتارة يصورنهم بالمتزمتين، وتارة بالمتشددين، وتارة بالخونة، وفي أكثر من مشهد وأكثر من موقف، مع تشويه كل صاحب لحية بِنسبة كل تطرفٍ وبدعة وإرهابٍ إليه!
- وأما أشد التفسخ والتغرب والتي يَصعب تبريره، الانسلاخ عن الدين والقيم بتغيبب المَشاهد واللقطات الإيمانية كـ (الصلاة، والصدقة والصوم، والدعاء، والاستغفار…) من المسلسلات والبرامج، والتي هي من أساسيات حياة الفرد المسلم والتي لا يتم يومه إلا بها، ولكم بعدها أن تتساءلوا عن حال جيلٍ لا يرى للدين أي ارتباط بواقعه!
وهناك تفسخ من نوع آخر يصل بنا إلى أبعد نقطة عن ديننا وهويتنا الإسلامية، ألا وهو اختلاط النساء بالرجال والعكس، وهذا مما تفرضه ظروف العمل حسب قولهم، وهذا الاختلاط يتم بطريقتين: اختلاط النساء بالرجال في التمثيل بدور الصلة والقرابة، بينما لا قرابة بينهم في الواقع وهذا تعدٍ وتفريط، وهو أهون عندما نقارنه بالطريقة الأخرى والتي فيها يختلط الرجل بالمرأة الأجنبية؛ بدون أن يكون بينهم أي قرابة؛ لا على الواقع؛ ولا حتى على مستوى التمثيل!
- ومن الهبوط غير المستساغ وغير المبرر، وفي وقتٍ تعيش الأمة أشد معاركها أمام هجمات التغريب والتجريف، نرى إعلامنا تحول لمعول هدمٍ وتحطيم أخلاقي، ليحشر لنا العاطفة الجنسية في أغلب المشاهد الدارمية فصار أهل الحب والجنس أبطالًا، وأهل الفن أماجد، وأهل الرياضه قادة!
- وأنه مدرك لكل ذي بصيرة حرصُ الإعلام الموجه والممول على تغييب “الثقافة الإسلامية“ من مجموع ما تقدمه تلك القنوات والإذاعات من برامج وحلقات، في سعيٍ دؤوب لتميع الشباب المسلم بطرح التفاهات وإعلاء مكانة الرفاهية! في تعدٍ صارخ على قيم الدين الإسلامي والهوية العربية، فتصبح في العقل الباطن لدى المُشاهِد من الأمور الطبيعية المستساغة فيما بعد، والمقدسة ربما!
- ولا يكتفي إعلامنا بما ذكرت من هبوط وتنازل وانحدار حتى نراه يحرص على غرس الثقافة الغربية في الأطفال والشباب من دعاوٍ مبطنة ومعلنة من تبني شعارات كاذبة ابتداءً بتحرير المرأة، وانتهاءً بحقوق الشواذ والمنحرفين! وإعلاء مكانة الغربي وثقافته على حساب ثقافتنا وهويتنا، في مخالفة للواقع الذي يخبرنا أن لا قيمة للإنسان في النظرة الغربية ما لم يكن غربيًا أبيضَ البشرة! وهم اليوم قد أنزلوا الإنسان ومنه أبيضهم إلى مرتبة الحيوان، فجعلوا من تلبية الشهوات غاية، على الإنسان أن يسعى لتحقيقها، وبهذا يكونوا ساووه بالحيوان الذي لا هم له سوى تلبية رغباته الحيوانية؛ من مأكل ومشرب وجنس؛ وهذا لا يليق بالإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه وفضله على سائر المخلوقات، فجعل فيها الصفات العالية من تعقلٍ ووعيٍ و إدراكٍ وبهذه الصفات استحق أن يكون خليفةَ الله في الأرض إلا أن إعلامنا “ذا التوجه الغربي“ يريد إزاحة الإنسان المُكرم عن وظيفته الأساسية التي خُلق من أجلها بتنمية جانب الحيوانية على حساب الإنسانية، فلا يكف إعلامنا عن تقديم الحب والعاطفة على العقل الإنساني والمنطق.
وأنا أعدد لكم مظاهر التفسخ في إعلامنا لا أنسى أن أحدثكم عن الهزيمة النفسية التي يعيشها إعلامنا بحيث لم تعد له قضية سوى أن يتبنى قضايا الغرب وأفكارهم؛ التي تتعارض صراحة مع الدين الإسلامي الحنيف، وعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا مع تغييب متعمد للدين والعقيدة واستبدالها بدين (الإنسانية) بجانبها المادي لأم القضايا بحيث أن كل الأحداث تدور حولها بعيدًا عن دينه ومعتقده والذي على ضوء ذلك سيحاسب.
- خلاصة الأمر أن الإعلام اليوم هو مرآة لثقافة دخيلة لا علاقة لها بثقافتنا لا من قريب ولا بعيد، ثقافة يفرضها القوي على الضعيف، والغالب على المغلوب، فصار إعلامنا منبَرَهم الذي به يأملون تغيير الشعوب الإسلامية وسلبها هويتها ودينها وعقيدتها، لذلك من واجبنا اليوم التحاذر من هذا الإعلام الممول والموجه غربيًا ومقاومته وصده بما لدينا من إعلام وأدوات وبما نملك من صفحاتٍ ومواقع ولنكن الإعلام البديل الذين ينقل الصورة الحقة وينقل حال واقعنا وما يجب علينا تجاه أمتنا، الإعلام الذي يعتني بالقضايا الإسلامية.
- ليكن كل فردٍ منا قناةً وصحيفةً ومنبرًا يصدع بالحق شرقًا ليزهق الباطل غربًا، ولنحرص كل الحرص على تأصيل الهوية الإسلامية فيما ننشر، وتمجيد عاداتنا الحميدة، ونشر تأريخنا، والتحدث بلغتنا والتفاخر بأدبنا وتراثنا، وهذا وإن كان جهد المُقَل إلا أنه بإذن الله سيغلب جهدهم وجندهم، وبه ننال العذر إن شاء الله ( …فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال [٦٦].
صَـلاحَ الدِّين العـيَّاشي
إرسال تعليق