U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

ما الذِي فعلَتهُ شاومي(Xiaomi)؟! |دُعَاء عبدالمُؤمِن السَعيدِي


 ما الذِي فعلَتهُ شاومي(Xiaomi)؟!

- قامت الشركة الصينية(شاومي)المتخصصة بصناعة الهواتف الذكية وعتاد الحاسوب، والتي حازت على المرتبة الثالثة عالميًا من حيث شحنات الهواتف الذكية في نهاية الربع الرابع من العام السابق، بالإعلان قبيل أسبوعين عن شعارها الجديد(New Logo) في إحدى مؤتمراتها، والذي جاء بالتعاوُن مع المُصمم العالمي كينيا هارا(Kenya hara) الذي يُعد أستاذًا في جامعة(موساشينو) للفنون بطوكيو، ومصمم خبير حاصل على العديد من الجوائز، وقبيل لحظة الإعلان أمضى المُقدم حوالي ربع ساعة يشرح فيها التغيرات التي طرأت على الشعار، وبعد كانت المفاجأة! فقد شمل التغيير حواف الأيقونة البرتقالية للشعار إذ أصبحت زواياه شبه دائرية عوضًا عن حدتها السابقة وشكلها المُربَع!


- وتزامُنًا مع هذا الإعلان اهتزت شبكاتُ التواصلِ الإجتماعي، وأصبحَ الحدث محط تَنَدُرٍ واستهجان، والسؤال الحق يقول: 

ما الذي فعلتهُ(شاومي)؟!

هل الشركة المُلَقَّبة(بآبِل الشرق) والتي دخلت موسوعة(غينيس) يومًا لأنها باعت خمسة عشر ألف هاتف خلال ثانيتين قد ارتكبت حماقة بدفعها ملايين لمصمم قام بتعديل بسيط، يستطيع عمله أبسط الموظفين؟


- كلُ ما فعلته(شاومي) عملية تُسمى(Rebranding) كأن نقول تحديث أو تغيير للعلامة التجارية مع الحفاظ على الهوية البصرية(اللون، الأحرف، الاسم...)، وهذه العملية الجميع يعملها، فكل الشركات تواكب الحداثة في كل شيء عامة وفي التصاميم خاصة؛ للاستمرارية، وكذلك أغلب الشركات قد أصبحت أيقوناتها شبه دائرية فلا جديد!

والهدف بديهيًا من هذه العملية تذكير الجمهور بالعلامة التجارية.


إنما الجديدُ هُنا تعاقدها مع مصمم عالمي ودفع مبلغ طائل لأجل إحداث تغيير لا يكاد يُذكر!

والجديد هُنا إعلانها للأمر مع ترتيبات موحية بالأهمية وجعل الحدث عالمي!


- الجدير بالذكر أن الشركة أوضحت-بررت-على مدونتها الرسمية أن المصمم (Keney hara) قد اعتمد في تصميمه للشعار على معادلة رياضية تُعنى بتصميم الأشكال الهندسية وتُدعى(Superellipse)، ومن بين العديد من الخيارات المتواجدة بين المربع والدائرة المثالية حقق المصمم توازنًا ديناميكيًا مثاليًا بصريًا-على حد تعبيرهم- عندما اختار الشكل(n=3).



- كما وقالت الشركة أن التصميم الجديد قد احتوى على فكرة فلسفية هي فلسفة الحياة، فكما أن البشر-الأحياء-صنعوا التكنلوجيا؛ فالتكنلوجيا إبانَ ذلك على قيد الحياة(Alive)، وأن الصورة البصرية للشعار الآن قد أصبحت أكثر حيوية وقد جلبت الراحة للمستخدمين!

هذا مما قالته الشركة على مدونتها ومما قاله المصمم على قناة الشركة في(اليوتيوب)!


- لمَ هذا التبرير غير المسوغ له، ولِمَ هذا الإعلان المُهَوَّل للتغيير البسيط؟

لأن الضحك على الآخرين وخداعهم أسهل من إعلامهم بأنهم خُدعوا، وأسهل من أن يُشرح لهم كيف تم خداعهم؛ فلمَ يجب على (شاومي) أن تبرر تبريرات منطقية في حال أنها تحقق هدفها من هذا الفعل؛ فتحديث العلامة التجارية ليس هدفًا بذاته، إنما الهدف هو الجمهور، أن يتذكر الجمهور العلامة التجارية بطريقة لا تُنسى، أن يظل حدث تغيير الشركة لعلامتها التجارية(Brand) متداولًا بالأوساط لوقت من الزمن، بهدف إحداث وعي بالعلامة التجارية للجمهور الجديد، وترسيخ العلامة في أذهان الجمهور السابق وربطها بعقلهم الباطن(Subconscious mind)، وهذه الأهداف لها عوائدها الكثيرة لاسيما على صعيد الولاء السِلعي وحجم المبيعات...، وقد حققت(شاومي) هذه الأهداف وأكثر عندما قامت بالإعلان بتلك الطريقة وعندما قدمت التبريرات التي لا تستحق، فكما هو متعارف أن أي شركة تقوم بتحديث لجزء ما منها، تود أن تروج للأمر لتوصله لأكبر حصة سوقية، وهذا الأمر يحتاج لبحوث تسويقية وعمليات ترويجية ضخمة، وعوضًا عن بذل(شاومي)للميزانية في الترويج، ألقت الطُعم بذكاء، وتلقفَهُ الجمهور بالتشهير، وهو المُراد!
حتى وإن تداول الأغلب عبارات النقد فالمهم أن العلامة التجارية قد حصلت على ترويج عالمي مجاني! 

ويجدر القول أن الترويج الذي حدث كان في أساسه اعتمادًا على أول طريقة تسويقية بدائية(Word Of Mouth) التداول بالكلمات(كيف أجعل الجمهور يتداول الحديث عن شركتي ومنتجاتي؟) أو التوصية(Recommendation)، وهذه الطريقة تُعد من أفضل طرق التسويق حاليًا؛ بسبب تواجد فائض العرض الإنتاجي، فضلًا عن احتدام المنافسة بين شركات العالم.


- قد يتساءل سائل، لِمَ يجب على(شاومي) أن تعرِض هذا الحدث بهذه الطريقة، وتُعَرِّض نفسها للنقد، أليس من الأفضل أن تبتكر طرق أخرى تبعدها عن دائرة الاستهجان أو أن تُحْدِث تغييرًا يستحق الإعلان؟

- في هذا سر، فكما لدينا خمسة أنواع للمستهلكين، ومن هذه الخمسة لدينا نوع يُسمى المبتكرون(Innovators) المُولَعُونَ بالجديد وتفاصيله الفلسفية، الذين يحبون شراء وتجربة كل شيء، وهذا النوع يمثل نسبة(%2,5) من المستهلكين، وإن كانت النسبة قليلة إلا أن هذا النوع أهم نوع يجب على عملية التسويق العناية به والتوجه نحوه؛ لما له من تأثير كبير على بقية الأنواع، وقد أتى الشعار الجديد الذي تقول عنه الشركة أنه مليء بالحياة، ويساعد الأفراد على الشعور بالمرونة والقدرة على التحكم الأمثل في حياتهم!  موافقًا لرغبات وميول هذا النوع من المستهلكين، مما جعلهم يدعمون الشركة بكل الصور.

وهنالك نوع أخير يُسمى المتخاذلون أو المعاندون(Laggards) وهؤلاء لا يحبون تجربة كل جديد إلا بعد أن يُجمِعَ العالم على جودة المنتج، ونسبة هذا النوع(%16) وعلى الرغم من أن هذا النوع يتواجد في نهاية الأحداث وقرب اندثارها بسبب خصائصه إلا أنه مميز بسمة النقد الدائم، وإعلان(شاومي) قد أثار هذا النوع ففعل ما فعل من ضجة أرادتها(شاومي) منهم دون أن تخبرهم، وهم ساعدوها دون معرفتهم.


- وبالطبع النقد الحاصل وطريقة الشركة المتبعة في الإعلان لم ولن تؤثر على جودة المُنتجات؛ لأن(شاومي) تُنفِق الكثير من التكاليف على إنتاج منتجاتها بكفاءة، ولا تُنفِق الكثير البتة على عملية الترويج والإعلان بل تدع ذلك للجمهور الذي تنطال عليه ابتكارات-خدع-(شاومي)التسويقية، وهذا ما يُفسر تقديمها للهواتف بمزايا عالية الجودة مع سعر أقرب ما يكون لسعر التكلفة، وبالطبع(شاومي) لا تخسر عندما تبيع بسعر التكلفة أو أقرب له؛ لأنها تحقق(نقطة التعادل) سريعًا وتدخل مرحلة الربح الصافي، بفضل المبيعات الكبيرة والخطط التسويقية المدروسة بدقة، كما وأنها تبيع في متاجرها كل شيء حتى فراشي الأسنان؟! ولديها أكثر من خط إنتاج، وبأُسلوبها هذا أُسميهَا(أمازون الشرق) فهي تحرص على عدم إضاعة أي فرصة تسويقية أو بيعية.


خلاصة الأمر:
- كل ما حدث حيلة تسويقية من حيل(التسويق النفسي)، التي تجعل (شاومي) تغرس قدمها بالسوق العالمي يومًا بعد الآخر، وقد حققت الحيلة هدفها ومبتغاها بفضل نقد الجمهور وتداوله للحدث، وقد قالت(شاومي) على مدونتها الرسمية: "ستدفعُ هويةُ العلامة التجارية الجديدة شاومي إلى الأمام في العقد القادم."، وقد رأيتُ بهذه الجملة تغطرس كبير، وقلت ما عسى هذا التعديل البسيط أن يفعل؟! ولكن كما عهدت ما كان لمثلهم التنبؤ* جُزافًا بأي شيء، وبعد التحليل ما أراهم إلا صادقين، وما أرى لي جون(المؤسس والمدير التنفيذي)إلا قد خطا خطواتٍ واسعة في رحلة أميالهِ نحو حلمه الريادي.


*التنبو: المقصود هنا التنبؤ العلمي المبني على عقد رحى المقارنات بين الماضي والحاضر والتنبؤ إزاء ذلك بالمستقبل على أُسس وقواعد علمية وواقعية ولا دخل للتخمين في هذا الأمر.



دُعَاء عبدالمُؤمِن السَعيدِي



8 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة