U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

ذات الدين| نور محمد رياض.

-ذَات الدّين! 


تعلُو وتَسمو وتعظُم المَرأة بِعلمها الوَاسع، وبيانِها الحَكيم، وسِيرتها المَاجِدة، فطُوبى لِمَن رَزقهُ اللهُ الزّوجةَ المَعمَعَ الذّكية المُتوقدة، فكَيف لَوْ حَاز إلَى جَانِب ذلك ذَات الدّين؟ 


حضّ النَّبي ﷺ عَلَى نِكاح ذَات الدّين فَقَال: «تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمالِها، ولحَسَبِها، ولِجَمالِها، ولِدِينِها؛ فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَت يداك» 


فَمَنْ هِي ذَات الدّين التّي يَقصدها النّبي ﷺ؟ المُراد بالدّين هُنا الإسلام ذُو الشّريعة العَظيمة السّمحة، ثُم ليسَ كُلُّ مَنْ نَطقت بالشّهادتين، وتَلفَّعت مِرطها وألقتْ عليهَا حِجَابها تَرنُو إلَى تِلك المَنزلة،

وإنَّما هِي المُستقيمةُ علَى حُدود ربِّها وعلَى طَاعة نَبيها وتُسبل لباسَ الحَياء والعِفة علَى ظَاهِرها وبَاطِنها، وتُراقب خَالِقها فِي خَلواتِها وجَلواتِها، وتَترفع عَن مَراتع الشّهوات وحُظوظ النُّفس، مُقبلة علَى نفعِ نَفسها ومن ثَمَّ الصّدع بالحَق لِغيرها.

 وَقَد يَخفى أنَّ لهذهِ الجَوهَرة المَكنونة والدّرة المصونة -ذات الدين- مُوصفات كثيرة تُميزها عَن غَيرهَا وتُنزلها مَكانها اللائِق بهَا، لكن حَسبي أنْ أُثِير بَعضَها: 

١- رأسُ الأمرِ وسيد الصّفات سَلامة الاعتِقاد، فمَن توَخت إصابةَ الحَق وكَانت مِن أهلِ السّنة والجَماعة، فَقد حَازت خيريّ الدَّنيا والآخِرة، وجَانَبت طَريق الضّلالة والبّدع.


 ٢- طَاعة الزَّوج وإِعانَتُه عَلَى إتمَام شَطرِ دِينه قَال تعَالى فِي كِتابه المُنزه عَن الشَّك وَالالتِباس: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ سورة النساء؛ تَقُوم عَلَى أَمرِ زَوجِها وَترعاهُ فِي مَالِه ونَفسِه، وتَخفضُ لهُ جناحَ الطَّاعة، وَقَال ﷺ فِي الأحاديثِ المَروياتِ عَن الثِّقات: «مَن رزَقهُ اللهُ امرأةً صالحةً؛ فقد أعانَهُ على شَطرِ دينه، فليَتقِّ الله في الشطرِ الباقي.» صحيح الترغيب (1916)، إِضافةً إلَىَ مُعاونته عَلَى طَاعةِ اللهِ وأُمورِ الآخِرة فَتوقظُه إذَا غَفل وتُرشده إذَا زلَّ وتعثَّر لِقوله ﷺ: «اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ -وَالنَّضْحُ: أَنْ تَغْمِسَ أَصَابِعَكَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُ هَذَا الْمَاءَ فِي وَجْهِهَا، لَا أَنْ تَأْتِيَ بِالْمَاءِ فَتَجْعَلُهُ عَلَى رَأْسِهَا سَكْبًا!! -، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ وَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ.» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وأبو داود، وَابْنُ مَاجَه، وَالنَّسَائِيُّ.


 ٣-العَابدةُ القَانِتة الصَّائمة التِّي تَصونُ نَفسَها عَن الأرْدان والدَّنس وَتعِفها عَن المُحرمات قال اللهُ جلَّ شأنُه وعظُم سُلطانه: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ سورة التحريم، وقال النبي ﷺ: «إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامَت شهرَها، وحصنت فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ» أخرجه ابن حبان والطبراني واللفظ له وصححه الألباني.


 ٤- تَنجب لهُ الذُّرية الصَّالِحة التِي تَنَفعه يوْم تُباغِتهُ نَوازِل الدَّهر، ويَوم يَحلُّ بالرَّمس قال ﷺ: «إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُه إلّا مِن ثلاثةٍ: إلّا مِن صَدَقةٍ جاريةٍ أو عِلـمٍ يُنتَـفَعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» رواه مسلم.

 وَلولَا أنَّ هَذا موضعُ الإيجازِ والإشَارة إلَى رؤوسِ المَسائِل لأَطلنا فِي سَوْقِ النَّصوص البياناتِ، وقَد استفَاضت الشَّريعة بعَدد غيرِ مِنها، تُبرز بِها مَكان المَرأة المُسلمة، وتَضَعُها فِي مَرتَبتها التِي هِي لهَا أهلٌ.

 وَبَعد عَرض بِساطِ مُوصفاتِ ذَات الدَّين فَمن المُهم جدًّا إمَاطةُ اللثَّام وَالإفْصاح عَن الأسْباب التّي تَدفَع إلى اختَيارِهَا، نَذكُر هُنا نموذجا راقيًا ومتميزًا، تُمثله الصَّحابياتُ الجَليلات، والمُطالع لأحوالِهن سَينجذبُ إلَى مَا كنّ عليهِ مِن العِلم والجِهاد والطَّاعة، فها هي أمّ المُؤمنين كَانت قُدوة يُحتذى بِها فِي إتقانِها لشَتى الفُنون والعُلوم حتَّى أنَّها تُستشار فِي كلِّ عوِيصَةٍ، فَمن ارتسمَتْ طَريقَها ونَحتْ نَحوهَا فلَا مَحالة سَتبلغ ما بلغتَ فتنشئ المرأة النشء على القِيم الفَاضلة والمُثل الرَّاقية، مُشيرةّ إليهِ بِمواقعِ الزَّلل فَتذَكِّرُ بالصَّلاة فِي مَوَاقِيتها، وإنْ وَضَعت الطَّعام أَومأَت إلَى سُنَنِه مِن بالبَسملَة، وإنْ رَفعتهُ اسْتحضرت الحَمد علَى النِّعم... كلُّ ذاك لتتَربى الأسْرةُ فِي محاضِن القُرآن والسُّنة، وتُخرج للأمَّة مَن يُزمِجرُ بهَا وينتشِلُها مِن غَياهب الغمة والمَذلة.

خِتامًا: نسألُ الله أنْ يُلهم شَباب المُسلمين الرُّشد، وإِصابة كبِد الصَّواب فِي اختيارِ الزَّوجة الصَّالحة التّي أشادَ النَّبي ﷺ بالحِرص أشَدَّ مَا يكونُ عليهَا، فإنَّ طَاعة اللهِ ورسولهِ قَطب السَّعادة التِي عليهِ تَدُور، ومُستقر السَّرور الَّذِي عليهِ لا تحُور، وَمنْ سَعى سعيًا حثيثًا إلَى طَريق الله وَرَسُوله كَانت لهُ مَنزلة رفيعة، ودرجةُ عَاليةٌ ساميةٌ غير وضِيعة.

- نور محمد رياض


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة