U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

السلطة وصناعة التفاهة| صلاح العياشي

- السلطة وصناعة التفاهة.



وما نجحت الأنظمة القمعية والمستبدة في شيء كنجاحها بتحويل اهتمامات عامة الناس إلى ما يبعد رقابتهم عنها، ويلغي حقهم في الرأي والقول، فنقلت اهتماماتهم من الانشغال بالوضع السياسي والاقتصادي؛ كحقٍ مشروع باعتبار ذلك مؤثرًا على حياتهم تيسيرًا وتعسيرًا؛ إلى الانشغال بتوافه الأمور وسوافلها، فأوهمتهم أن الرياضة والترفيه، فن! ومتابعة الموضات، وتتبع أهل الهوى والمجون، من محاسن الأمور، وأولت ذلك جل رعايتها من مالٍ ودعاية وإعلام، وهي وبذلك قد تفضلت عليهم، وأعطتهم مرادهم وحقهم في الوطن، حد زعمها! 


- ولم تكن لتنال بغيتها لولا أن المثقفين والنخبة (الممولين والمدعومين إعلاميًا من قبل السلطات) كانوا السباقين للانشغال بتلك الأمور باعتبارها من الرقي والتطور، فأن يكون لديك ناديك المفضل، وفريقك الأحسن، وفنانك الجميل، ومَشهورك اللطيف، فقد ترقيت في سلم الذوق واعتليت درجة المجد! 


وهم بذلك يقودون العامة، ويُعَبِّدون لهم الطريق التي وضعها السلطان، لترى بعد ذلك مجتمعًا بأكمله غارقًا في متابعة التوافه، وتتبع الحقراء، ثم يتصاعد ذلك الاهتمام ليصير من مسائل التحضر، فيقال عن الذين لا ينشغلون بهذه الأمور العوام، أو البدو، وينعتونهم بالمتخلفين، ثم يتصاعد بدرجة أعلى فَيصَور غير المنشغل بها؛ بالغريب الطارئ، المشكوك في وطنيته، المطعون في ولائه لبلده وسلطانه.


 - اليوم تقدم الأنظمة نفسها كمهتمة بحال المواطن، ومشغولة بما يسعده، ويعلي من مكانة بلاده، وهي بذلك قد بلغت أعلى مراتب النفاق، فيرى الرائي النجيب صدق قولنا؛ عندما ينظر للواقع فيراه سَيئًا بمجمله إلا في التوافه، وقبيحًا كله إلا في الملهيات والمفسدات، وأي عاقل تغريه التوافه وتأثر عليه الملهيات؟! ومن الذي يرضى لنفسه أن يكون مع الهملِ:

 “قد رشحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ...

 اربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ “.


 - الحقيقة أن الأنظمة المستبدة -وهذه من عادتها- تستمرأ حرف مسار الاهتمام نحو الأمور التي لا تتعارض مع طريقة حكمها، ولا تتقاطع مع خطة عملها، فتبيع الوهم تحت شعارات القومية، والوطنية، فتعطيك من تلك المسميات حسب رضاك عن فسادها، وتقبلك لعجزها وكسادها، وتأخذ منك بقدر تَعقلك وتحرزك، فتضع لك العراقيل، وتنصب لك الفخاخ؛ لتصطادك فترتاح منك، ولا تعدم لذلك حيلة ولا طريقة.


- وقد تتساءل لتقل: وهل الاستمتاع بالمباحات، كتأييدي لفريق بلادي مثلًا، أو تشجيعي لمنتخبنا الوطني، أمرٌ مكروه، ويدخلني ضمن جموع التافهين، وكيف يكون مكروهًا؛ وقد أقره الشرع والعرف، فحب الإنسان لبلده وأرضه؛ وتقديمهما على ما دونهما في السلم والحرب أمرٌ فطري؟! وما الذي يجعله في دائرة التوافه أن كان حالي معه متزن، ومتابعتي له معتدلة؛ فلا إفراط ولا تفريط؟ فيكون جوابنا: أن العيب ليس في ذات الفعل، وإنما في نتائجه وما يترتب عليها، وفي فَرضه وإدخاله ضمن الضروريات، فتصرف عليه الأموال الطائلة، وتخصص له ميزانية واجبة، وتهدر ثروات الشعوب، ويكون العيب أكثر وضوحًا، وأشد مقتًا عندما تقدم تلك التوافه؛ على فضائل الأمور، وحاجات الشعب الأخرى من أمنٍ واستقرار وتعليمٍ وصحة ومسكنٍ.


- ومتى كان ذلك حاصلًا؛ فإياك وإياك أن تنشغل به وتنسى حقك على الدولة، وواجبها نحوك وعليك، وإياك أن تتنازل عن حقك في الضروريات مقابل ما يُعطى لك في الكماليات والتوافه.


 - والسلام لوعيك.


#ص_ع

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة