ضراوة العادات كسطوة الاستبداد
البيئة التي يتربى عليها الأشخاص تطبعهم بخصائصها ، فتغدو ثقافة راسخة يصعب التخلي عنها ومحوها ، حيث تصبح كالعقيدة والمسلمات التي لا يجوز الخروج عليها أو تساؤل البرهان والتشكيك فيها .
إن للعادات - سواءً كانت سلبية أو إيجابية - منطقاً قسرياً، يجعل الجماعات والمجتمعات خاضعة ذليلة لها ، وقد أصابتني الدهشة المستغرِبة عندما رأيت جبروتها يغلب القيم النبيلة التي لا ينكرونها .
ذكر القرآن الكريم أن قوم لوط ضاقوا به ذرعاً ، فقرروا طرده مع أتباعه من بين أظهرهم ، لأنه يدعوهم لترك الرذيلة والتطهر من أدران الفساد الأخلاقي.
(أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)
قرأت هذه الآية الكريمة فزال عجبي ، وقلت : من المؤكد أن البيئة النجسة تعتبر الطهارة شذوذاً ومخالفة للمستقر المعهود .
كما أن الاستبداد والطغيان يقلب الحقائق ويزور مضامينها ، فترى المستبدين يقربون طبقة منافقة متزلفة تشير عليهم بما يرغبون وتنصحهم بما يبقي وجودهم على كراسيهم أطول فترة ممكنة ؛ يتزامن ذلك مع حركة عنف وقمع رهيبة لتدجين الشعوب واستذلالها كي ترضخ وتقبل بما يقال .
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون)
لذلك فإن الأنبياء والفلاسفة والمصلحين يلقون العنت الكبير -من الناس- عند محاولة تغيير بعض المفاهيم ، ونقل تلك المجتمعات إلى ساحات أزكى ، ومناخات أرقى ؛ وكانت سبيلهم - وإن اختلفت وسائلهم ومنهجياتهم - متمثلة بعنصرين رئيسين هما:
1- الدعوة للحرية العقلية - القائمة على المنطق البرهاني والقيم الفطرية والروحانية - إضافة للتحرر من ربقة الأغلال المجتمعية وسجون "الأوثان المقدسة" ، ناقلين لهم إلى وديان الوعي الخصيب بذاتهم وكرامتهم واستقلالهم
2- الثورة على التقاليد السلبية مبتدئين بتطبيق مبادئ تلك التحولات التغييرية على أنفسهم وبيوتهم وأقرب المقربين لهم ، حتى يكونوا جذوة ثورة حقيقية ، ومشاعل تنوير مستمر، ودلائل تغيير دائم .
إرسال تعليق