حُجة متلونة!
ما ذنب من نشأ على غير الإسلام ليحاسب على عدم طلبه للدين؟ غالبًا ما تجد هؤلاء ينقلون معاقد ولائهم وبرائهم إلى مفاهيم أخرى، غير دينية فحسب، لا أنهم ضد الفكرة نفسها، إنما يستحلبون مثل تلك الاعتراضات على الدين فحسب.
وإلا ففي أول نزاع وطني، على المياه أو الحدود أو أي شأن سياسي بين دولته ودولة أخرى تجده رأسًا مع دولته، ولا يقول ما ذنب مواطني الدولة الأخرى، فقد ولدوا ولم يختاروا جنسياتهم، لقد كانوا مواطنين صالحين في مفاهيمهم هم وقوانينهم هم، حرصوا عليها خدموها في جيشهم وشرطتهم.
حتى لو قلت هم من هضموا حقوقنا الوطنية يرد عليه الإشكال بأن مصالحه القومية أو الوطنية اقتضت ذلك عنده، ولو كان الأمر إليك لما خالفت خياراته لصالح شعبك وقومك! فضلًا أن أغلب المواطنين ليسوا مؤهلين لدراسة الوثائق والاتفاقيات والتاريخ القديم والحديث ليفصل في مشاكل معقدّة بالغة التخصص تركها لسياسييه وخبرائه.
ثم إنك تصنفهم في خانة العداء فحسب لأن مصالحهم تصادمت مع مصالح دولتك فحسب؟ ماذا كان مطلوبًا منهم؟ أن يزدحموا على باب سفارتك ممزقين وثائقهم الوطنية، طالبين جنسيتك؟ لماذا سيفعلون ذلك؟ ما الذي يرجح بلدك على بلدهم؟ لأن والدك تعرف على والدتك في بلدك وأنجبك فيها دون أي مجهود منك؟
في شأن الدين هناك مشكلة إنسانية تحتم على الإنسان أن يسعى للإجابة فيها عن أسئلته الكبرى، عن سبب وجوده في هذا العالم، هناك شيء يمس كيانه، يدفعه للبقاء على ما هو عليه من قناعات ومقالات وسلوك أو يتركها لغيرها، أما أنه مواطن في دولة وسيتعرض للقصف إن دخلت دولته في حرب معك فهذه لا تراها المشكلة، مع أنها هي قضية العالم الذي تعيش فيه.
هذا ما جعل كثيرين ينظرون إلى الحروب كلها على أنها غير أخلاقية، فما الذي يسوّغ محاسبة مواطني أي بلد على قرارات ساستهم؟ ومع محاولات التخفيف العصرية من نتائج هذه المشكلة كتحريم استهداف المدنيين، إلا أن المعضلة تبقى في أبناء هؤلاء المدنيين الذين يجندون في أي معركة [وطنية] يؤدون واجبهم، وأنت تحث جنودك عليهم!
هؤلاء تجدهم ينقلون ولاءهم وبراءهم إلى أحزابهم، أو دولهم، دون أي إشكالية، لكنهم في ساعة الفراغ يبحثون عن قضايا يعتبرونها تعارض الإنسانية! تلك التي لا تتسع لخصومهم الوطنيين، أو معارضيهم السياسيين، أو الجنود الذين نفذوا أوامر من فوقهم تجاههم! في حين كانت الأسئلة الدينية الكبرى أهم لكل إنسان وإجابتها أوضح من أي شأن سياسي يجري عليه النزاع.
يوسف سمرين
إرسال تعليق