فِقْــهُ اللَّحظَــة.
(لو) عَاد بِي الزَّمن لوقتٍ مَضى لاجتَهدتُ في مُذاكَرةِ امتحَاني، ولما أجّلتُ الاستٍدراكَ لآخرِ يومٍ...
(لَو) قُدّر لي أن أعود بالزَّمن لما فوّتُّ على نفسي فرصةَ حفظ القُرآن، أو اللحَاقِ بالدّورة الخَاصة بالعلم الشّرعي،لكن الأمر فاتني...
في الجانِب الآخر :(عندما) اتفرّغ (سوف) أنجز ما تعلّق من مهام...(عندما) أنجح وأحصد درجة عالية (سوف) أفعل كذا وكذا...
وهكذا تضعُ نفسكَ بين التّحسر والتَّسويف، إمّا في أسىٰ على وقتٍ فات لم تُدرك به ما ترجوه، أو تمنّي لوقتٍ في المُستقبلِ مشروطٌ بقيدِ تحقيقاتِ أمورٍ قد لا تَتِمُّ لسببٍ تجهله. (أين التّفكير في الآن؟) وما الدَّافع للتَّحسر والتَّأجيل؟ لمَ تُعطِّل على نفسك الهمَّة في الإنجَاز اللَّحظي، تنصب الأحداث لنفسك في مستقبل ليس بيدك، وتعض الندم على فوات فرص ولّت، ولا تلتفت للحظة الّتي تملكها الآن!
لا أدعوك هنا للتَّملص من الأخطاء في المَاضي بغرضِ الانتفاع، ولا الامتناع من التَّفكيرِ في المُستقبل بروحِ المُتأمل بربِّه الرَّاضي، بل أدعوك لأن تعيش اللحظة بما تحمله أنت من تفويت وتأمل، وخبرات وتجارب وتأملات وبنيانٍ عظيم، ولتعلم يقينًا أنه لم يكن الاستثمار في مقتضيات اللحظة إلا من عُمق شريعتنا الإسلامية، ونجد بعض ذلك في "قول ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحَّتِك لمرضك، ومن حياتِك لموتك"؛ فالمعادلة واضحة:
الأمسُ ليس لك، والغد غائبٌ عنك، ولك اللحظة التي تعيشها، إنها دعوة واضحة لإخراج الفكرة لحيِّز الوجود، وتطبيقها على أرض الواقع، دون تسويفٍ ولا مُماطلة،
فالفكرة التي تأتيك في الصَّباح قد ترافقك لقبرك في المساء!" ولا يستفيد أحد منها ولا منك، وتحجب عن العالمين أفكارًا عظيمة.
وهُنا أذكِّر نفسي وأنت بإنَّ قيمةَ اللحظة لا تُدركُ إلا بعد تَفويتِها، فلا تفوّت على نفسكِ لحظتها، وقدّر قيمةَ ما تملك، وألحظ بعينِ المُستبصر دونًا عن طغيانِ العاطفة، لا تَستَنزف مَهَامكَ حنينًا لماضٍ لن يغيرُ شيئًا من حَاضِرك، ولا تسويفٍ لإنجازٍ مُستقبلي، وبدلًا من أن تقولَ لو عاد بي الزّمن... قُل: حمدًا للّه أن مدَّ لي من العمرِ ما يُمكنني _بإذنه_ من استدارك كُلِّ علمٍ وعمل؛ اسعَ بهمةِ البَاغي لِلعُلا مجدًا لكلِّ أمرٍ رجوت له بلوغًا من الآن، أنت ابن اللحظة، فابنِ نفسكَ بِهَا، ومن الآن!
إرسال تعليق