-
إنَّ في الحبِّ سرًّا لا يدرَك كنهه، ولا تعرف غايته، فهناك من سلم قلبه طائعًا له، فكان ذلك سبب شقائه وعذابه، وآخر سلم للحب قلبه فسلم ونجى، وفاز وظفر، وقد تسمع أن هناك من امتنع عن الحب وتمرد عليه فكان مؤدى ذلك هدوء باله، وراحة نفسه، وهناك من جحده وتكابر عليه فكان فيه تعاسته وضياعه، فالقلبُ الذي أحبَّ قد وقع، سواءٌ أعلن ذلك أم جحده، وفي كل الحالات ليس للمرء على قلبه سلطان، ولا أعلم قاعدة يبنى عليه حكمًا وتفسيرا، أليس الحبُّ هو ذلك الطيف الذي يتجلَّى في وجدان الإنسان، فيهيم به كأنَّه نجمٌ لاح في سماءٍ مظلمة، وتراه يسير على ضوئه، لا يدري إن كان سيبلغه أم أنَّه سيختفي قبل أن يصل إليه؟ فلا المطيع بالغٌ مطلبه، ولا المتمرد ناجٍ من سطوته!
وقد تنظر المرأة إلى الرجل فتراه ملء قلبها وعقلها، ولكنَّه إذا اقترب منها ازورَّ قلبُها عنه، وانطفأت جذوة التوق التي كانت تراه بها، وخمدت لهفتها عليه، فهل الحبُّ إلا طيفٌ يمرُّ بالقلب في لحظةٍ، فإذا مسَّه الواقع تغيَّرت الألوان؟ فمن سمع ليس كمن رأى، ومن جالس عرف!
وكم من عاشقٍ استنفدَ الحبَّ حتى لم يبقَ له فيه نصيب، فانقلب الشغف ضجرًا، والمودة ملالًا، فقد قيل: "كلُّ مكثورٍ منه مملول"، فإن الوفرة سبيلٌ للسآمة، والكثرة مداعاة للملل. وبالمثل كم من محبٍ بذل جهده لمحبه حتى ظنَّ أنّه مالكٌ له، وأرخص نفسه حتى هانت، فكان ذلك سببًا لضياع حبه، وما ذلك إلا لأن "كلُّ مبذولٍ منبوذ"! ولأن النفس لا يرضيها السهل إذ يعجبها ما تصعَّب وما امتنع، وهذا ليس دائمًا، فهناك من يعجبه السهل ويرضى به، ويغليه ويعليه، فمنطقه في “ما تَعسر تُـرك“.
وهكذا تمضي القلوب في أقدارها، متنازعةً بين التمنُّع والتودُّد، وبين الجفاء والاشتياق، لا قرار لها ولا يقين، فمن ظنَّ أنَّه يستطيع أن يفهم طريق الحب، فقد رام محالًا، وطلب مستحيلًا؛ وإنَّما هو قدرٌ يجري على الناس، يرفع أقوامًا ويضع آخرين، فلا قانون يحكمه، ولا منطق يفسره.
ويبقى الحب ذلك اللغزُ العصيُّ على الفهم، لا يعرف ولا يدرك ويقاس ولا يُمثل، حتى أولئك الذين تجرَّعوا من كأسه حتى الثمالة؛ عجزوا أن يفسروه فضلًا أن يمنطقوه، فإنه شيء من أمر ربي أشبه بالروح في الإنسان، وحده الله من يعلم سره!
فـ"دعها سماوية تجرى على قدر
لا تفسدنها برأيٍ منك منكوس".
#ص_ع
إرسال تعليق