U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

الطغيان بين الذكاء والغباء| صلاح الدين العيّاشِي

 


الطغيان، بين الذكاء والغباء!


وأنا أطوي صفحات كتاب "البلاء الشديد والميلاد الجديد" لفايز الكندري -حفظه الله- لم أستطع إلا المقاربة بين ما واجهه المعتقلون في جحيم "غوانتانامو" من طغيان وظلم وتجبر على يد الأمريكان طغاة الأرض ومجرميها، وبين ما واجهه المعتقلون في سجون طاغيتي الشام واليمن ومصر وجل بلداننا العربية، وللأسف، وللأسى الشديد، أقولها: لقد كان بنو جلدتنا أشد ظلمًا، وأكثر فسادًا، وأعظم تجبرًا واستكبارًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


ولا يُفهم من هذا المقام أنني هنا لأُبيّض صفحات الأمريكان القبيحة النتنة، حاشا وكلا! فالغرض هنا ليس المفاضلة بين مجرمين؛ بل تفصيل الاختلاف في الوسائل والأساليب، فالأمريكي -رغم إجرامه وتوحشه- يعتمد غالبًا على الإيذاء النفسي والمعنوي، وعلى العقوبات التي لا تترك أثرًا مباشرًا، لأن غايته أن يروضك، أن يفهمك ويفهم نفسيتك، أن يستخرج منك معلومة، أن يجعلك -إن استطاع- جنديًا يخدم مشروعه ويُسهم في تحقيق أهدافه!


أما الطاغية العربي؟ فحدّث ولا حرج! في سجونه، لا غاية إلا القهر والإذلال، ولا هدف إلا الموت تحت التعذيب، لا يهمهم ما سيُقال عنهم، ولا تشغلهم صورتهم أمام العالم، بل حتى أمام شعوبهم! وذاك فرق لا بد أن يُقال، فبينما تُحاول الإدارة الأمريكية الظهور بمظهر "شرطي العالم النزيه العادل"، كذبًا ودجلًا، يحرص الطغاة عندنا أن يُثبتوا لكل معتقل أن لا أحد سواهم فوق الأرض، وأنهم ظلمة وفساق ومجرمين.


وهذا النمط يتكرر في مشاهد متعددة، وليس آخرها ما حصل مع السنوار -رحمه الله- الذي كتب الروايات داخل سجون الصهاينة، وألف المؤلفات، بل وأكمل دراسته، وتعلم لغتهم العبرية! ومثل هذه القصص أزعم أنك لن تجد لها شبيهًا في سجون العرب؛ لأن البيئة ذاتها لا تسمح بالحياة، فضلاً عن التعلم أو الإنتاج، ولعل ما حدث لمرسي، وموته في السجن رحمه الله خير مثال.


لنخلص إلى أن الغاية لدى الطرفين متشابهة بالغالب، وهي إخضاعك وتغييرك، لكن الأساليب مختلفة، الغربي يستخدم وسائل ذكية، الطاغية العربي يختار الطريق الأقصر، الهراوة والتعليق والكيّ بالكهرباء، الأول يريد معلومة، الثاني يريد صرخة، يريدك أن تموت! الأول يُخطط للظلم بمكر، والآخر يُمارسه بغباء! ولا ننسى أن الغربي يتميز بقدرته على تمييز المتهم من غيره، بفضل استخباراته وأدواته اللعينة المنتشرة في العالم، بينما الطاغية العربي يُجرّم البراءة نفسها، فكل بريء عنده متهم حتى تُثبت براءته، خلافًا لقاعدة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته!"


وختامًا رأيت أن أعيد لأوضح حتى لا يُزايد علينا أحد أو يقطع الكلام من سياقه، فيتهمنا بالترويج لأمريكا، وتجميل وجهها، فأنه لابد من بيان أننا نحملها المسؤولية الكاملة باعتبارها أم الطغاة، وحامية الطغاة، فلولاها لما حكمنا هؤلاء المجرمين ولا استمروا! لذلك فهي ملامة على كل حال وهي أم الفساد بذاته.



والسلام.



 وكتبه صلاح العياشي.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة