U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

ماذا بعد القراءة؟ | محمد بن هيكل الأكحلي

 ماذا بعد القراءة؟!






لِنفتَرض أنكَ اتبَعتَ نصيحة الأمس، وقرأتَ من كل علمٍ أحسَنَه.
يأتي السؤال: ماذا بعد ذلك؟
الجواب ببساطة: اكتب!

نعم.. همزة.. كاف.. تاء.. باء!

لم أُخبركَ من قبل أني أُحِب قراءة سِيَر أعلام النبلاء، أولئك الذين هم على مراتب وطبقات، أعلاها الأنبياء، فالصحابة، فالعلماء، فالأدباء.
أنت تحفظ أسماء كثيرين منهم، أعرف ذلك، لكن ألفِت انتباهك إلى أنهم يشتركون جميعاً كونهم ناشرين للمعرفة؛ ذاكَ بلسانه وآخر بأفعاله، وثالث بقلمه.. قل لي لماذا لا تحجز لنفسك مكاناً بينهم؟ كتب تراجم العلماء والأدباء مليئة بالأسماء، لكنها أيضاً تقول: هل من مزيد!

حسناً، بات الأمر مكشوفاً، أنا أُحَرِّضك على الكتابة، وأريد منك اغتيال الخوف القابع بداخلك، لن يكشفك أحد إذا اخترت مسرح الجريمة جيداً، حيث الهدوء، بعيداً عن أعين الناس.. هل تخاف أن يحاكمك ضميرك؟ لا تقلق؛ المحكمة لا تطلب أكثر من البَيِّنة، وأنا الآن أُرَتبها وأُجَهزها لكَ حتى تربحَ القضية!
تسألني فتقول: وأين هذه البَيِّنة؟ أرد عليك: ألا ترى أني قد اغتلتُ خوفي، ونفضتُ الدم عن يدي وصبغته سواداً على الورق، بل وأخفيتُ البندقية عن محاكم التفتيش! لقد سكتَ ضميري تماماً.. صار بوسعي أن أكتب ما أشاء وقتما أشاء، طالما لا يضُرّ في الدين، ولا يقدَح في الأخلاق، وعدا ذلك فالساحة مفتوحة!

نعم، قد أكون متهوراً، أكتب ولم أقرأ كثيراً، ولم أتقن بعد أي علم من العلوم، لكنَّ أخطاء اليوم سأتجاوزها غداً.. وكذلك فَعَل الأوَّلون.
ماذا يضرك لو نويتَ أن تقرأ مائة كتاب، ثم تكتب عنها مائة مقال؟ هل تظن أن آخرها سيكون مثل أولها؟ لا، لن يكون.
وليس النشر غايةً، يمكنك أن تكتب لنفسك فترةً من الزمن، وتعرِضَه على نيران الكتب والتجارب، حتى إذا نَضَج أخرجتَه للناس لِيَذوقوه!

ألا ترى أن الشباب في أعمارنا قد هجروا هذا الشأن، وانطلقوا يلهثون خلف لَذاتٍ عابرة.. لا تُبقي لهم ذِكراً حَسَناً ولا أجراً!
لكني أريد لك أن تصنع المجد..
أن تعيش كلماتكَ بعدكَ ألفَ عامٍ أو يزيد!

كم من جبلٍ في العالَم الفسيح لا يُعرَف، لأنه لم يكتب حرفاً! وأنا أكره لك أن تكون ذاك الجبل، بل أُحِبُّ لكَ أن تكون مثل جبل أُحُد؛ الذي كتب التاريخ، وليسَ مثل جبل أُحُدٍ أَحَد!

دمتَ بخير!

✍🏼 محمد بن هيكل الأكحلي - ٥ شعبان ١٤٤٥.


قناة بذرة وفكرة:
@bethrahwafekrah
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة