هل من خليل؟
ولكني وجدتُ هذا الخيار بالمنزلة العسيرة، والمهمة العصيبة، والوقتُ أضيقُ من أن يسعَ بحثي، والقلبُ مهمومٌ يبكي، والروح حائرة ترتجي؛ فجمعتُ أمري، وعدتُ إلى مكمني، مكمنُ طفولتي: أُمي!
لقد تعلمتُ من تجربتي الكثير، وأول ما تعلمته أني جعلت لسان قلبي تُرجُمانًا لحبكِ، ولم أعد أُميةً في وصف حبكِ المُستَقطَعِ من الجنة.
ساذَجٌ حقًا من يبحثُ عن الحب في غير منبعه، وأنا كنتُ كذلك عندما تنقلت كالمتسولين أتشَوّفُ الحب وأتحسسسه في عيون الآخرين دونما عينيكِ الصادقتين.
واقتربتُ منكِ حتى أصبحتِ عندي كمنزلةِ الروحِ مني، وبتُ أخافُ أُفُولكِ من حياتي، ليس لأنني سأذبلُ أو أموت، بل لأن العالم سينتهي!
اقتربتُ منكِ حتى باتت ابتهالاتي السارية إلى السماء دعواتٍ ترجو بقاءكِ الأزلي، وكنتُ أدعو بأن تبقين لي عمرًا لا يفنى، وأن تظلي حبي ودنياي التي لا تبلى.
بقربكِ أُماهُ أيقنتُ أن الحب المزيف يَستهلكُ المرء حتى يُهلكّه، وأما الصادق منه فيُحيّي جدب الروح ويُصلحُ عطبها، كما هو حالي مع حبكِ السرمدي.
كُنتُ قبلًا أتذمرُ من النعم المحاطة بي، كُنتُ أراها قليلةً دَنيّة، وعندما دارت بي الحياة؛ لأنهلَ من مُرِّها حتى انتهيتُ بحُلوِها، أيقنتُ أن كُنوزَ الأرضِ قاطبةً في أحضانكِ، أيقنتُ أن النِعمَ المحاطةَ بي لم تكن كثيرة لأنني لم أكن قريبةً منكِ، وأيقنتُ أن المحروم في هذه الحياة هو من حُرمَ وجودَ أُمهِ.
ويومًا ما علمتُ أنني قد ولدتُ بقرب السعادة وتترعرعت في جَنَانِها، واستقيت من إكسيرها، ولم أعلم ذلك إلا حينما أدركتُ أنكِ السعادة المصاحبة لفصول حياتي المتعثرة، وأنكِ الوتدُ الثابتُ المُحتَوِي لكل انتكاساتي.
كان تساؤلي قبلًا في هذه الحياةِ هل من خليل؟ وظللتُ أنبشُ في ظُلماتِ الوهم ظُلمةً تغشاها أُخرى حتى عُميتُ وقُفِّلَ بصري دونما رَيع، وحينها فقط انجلت بصيرتي لتهديني إليكِ، وعَلمتُ وقتها ما الخيرُ من انقضاء بصري؛ ذلكَ لأن روحكِ الوضّاءة ما كانت لتراها عيناي المجردة؛ فبصيرة الروحِ أقوى!
رأيتُ الكثير بعدها ممن يتخبطون بحثًا عن ذلك الحب المُستَقطَع من الجنة، ذلك الحب الذي يجعلهم ينعمون بالسكينة، ويُحَلقون على أجنحة السعادة، ذلك الحب الذي يلامسُ الروحَ فيرتقُ الفتوق، ويبرءُ العِلل، ذلكَ الحبُ الذي يُنبتُ في الروح زَهرا، ويروي ظمأها، ذلكَ الحبُ الذي يُجابَهُ به العالم، وتُذَلَلُ به العوالِم، ذلكَ الحبُ المُصفى، الذي لم ولن يتغير صفاؤه، ذلكَ الحبُ الكامنُ المخبوءُ في تلك اليدين المتغضنةِ بالحبِ لفلذَة روحِها، وهاجسِ مَحياها ومماتِها.
دُعَاء عبد المؤمن السَعيدي
مِاهَذا يا دُعاء؟!
ردحذفحَبكةٌ وسَبكةٌ ومَعنى، وسحرٌ بيان يا عَذِبة
كَأن الكَلِمات مُهرةٌ وأنتِ فارِستُها ،أُعيذُّكِ باللّه مِن الشيطانِ وعَيونِ الحَاسدين ..
كَفيلةٌ هذهِ الكتابةُ أن تجعَلنيَّ أقِف بِصمتٍ، ودون أن أغمِضَ عيني، تَبارك الرَّحمنُ.