بسم اللهِ أولا والصلاةُ أبدى على خير خلق اللهِ مُحمدا، وبعدُ فإن ما هاهُنا خُلاصةٌ خالِصة لكتابِنا (الماجرايات) الذي تَمت قِراءتُهُ بفضلٍ من الله خلال برنامج #تحدِّي_قُرَّاء_اليقظة ، ويُعتبر هذا المُلخص ثمرةً مُكتملة قُطِفت على يد إحدى قارِئاتنا المعطاءات:
- يبتدئ د.إبراهيم السكران كتابه بالنموذج الماجرياتي الأكثر شمولية اليوم وهو التعلق بمواقع التواصل وتبني الأخبار والمحدَثَات عليها بالتعليق والنقاش والنشر العام والخاص حد الإستغراق فيها وتبني وجهات النظر المختلفة فنشرها والدفاع عنها إلخ، هذه الحلقات المفرغة والصور المتكررة معنا جميعًا -بما فيه الكاتب نفسه- والذي يعترف بأن مثل تلك المواقف أخرته بالفعل-أحيانًا- عن بعض مواعيد التسليم النهائية لرسائله العلمية وهو مادفعه بحرقة إلى التطرق للحديث عن الظاهرة ومدارستها تفصيلاً استعانةً بالكثير من المراجع والآراء والشخصيات التي تناولها مسبقاً بشئٍ من الإيضاح والتفصيل...
مما جاء في كتابه:
(هذه لقطة مكثفة وحزينة...متقطعة من شريط طالب علم قدّر الله عليه أن يعيش لحظة التكوين العلمي في عصر ثورة نظم الاتصالات وشبكات التواصل...ولا أُحب أن أمثّل أمام القارئ قصة مناقبية...بل كاتب هذه الأسطر كان لديه مهام علمية وعملية اصطدم بوقت تسليمها قد أزف واضطر للتأجيل، فلما تفكر في نفسه رأى جزء من الأسباب يقع خلف الإختلاس الشبكي لوقته دون أن يشعر..فقرر أن يدرس هذه الإشكالية، من خلال النصوص وتحليلات العلماء، وما كشفته).
- وقد كان من المدهش بالنسبة للكاتب أيضاً أن يجد قاماتٍ عظيمة كالشيخ محمد مختار الشنقيطي، يشتكون من نفس المشكلة وتبعاتها المُضيعة للوقت والعمر، والمُربكة لكل نظامٍ وخطة يمكن أن يضعها المرء ليومه أو ساعاته المعدودة فيه...
- (وهجمت علي من واردات الذهول ما يعلم الله مداها، أن الشيخ صارح مستمعيه بواقعةٍ يتيمةٍ حدث له شخصياً، وهو المنصرف المنقبض عن هذه الأمور اصلاً، يقول الشيخ :
(والله هذه الوسائل امرها عجيب، جلست مرة من المرات على ما يسمى بتويتر، واسمهُ في النفس منه شيء، وفعلاً جلست بعد صلاة العشاء لأول مرة، حتى فوجئت بالسّحَر! ذهب علي وردي من الليل، مصيبة عظيمة، ماتشعر بشيء ما تشعر، ومن يعرف هذه الأشياء يعرف هذا...)
أوقفتُ الاستماع...وأعدت المقطع مراراً ..وبقيت مندهشاً ياالله! هذا الشنقيطي المعرِض عن الخوض!
- ومن ثم ينتقل د.إبراهيم السكران إلى التأكيد على أهمية المشكلة ومعاناة الكثير من آثارها السلبية مع التطرق إلى التمييزات الحاكمة لكتابه في تناولها، والتي قصد من خلالها توضيح الفارق مابين الأصل الصحيح المرغوب للظاهرة وبين المغالاة والإفراط فيه حد الإشكال وقد شملت تلك التمييزات خمساً أساسية هي:
1- التمييز بين فقه الواقع والغرق في الواقع.
2- التمييز بين المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة.
3- التمييز بين المتابعة زمن التحصيل والمتابعة زم الإنجاز.
4- التمييز بين توظيف الآله والإرتهان للآلة.
5- التمييز بين فصل السياسة ومرتبة السياسة.
- وذلك تجنباً للوقوع في خطأ الفهم المعتاد وتفسير الدعوة إلى الإمتناع التام والمستمر في حين أن المقصود هو التطرق لظاهرة (المغالاة والإفراط في أصل صحيح مطلوب)، والمطلوب تشذيبه وتنظيمه لا استئصاله بالكلية.
- ثم تطرق في الفصلين الأول والثاني إلى موقع الماجريات والماجريات الشبكية حيث أوضح في الأول العديد من المفاهيم والمدخلات ومنها على سبيل المثال:
-البناء اللساني للمصطلح: فالماجريات تعني الأحداث والوقائع والأخبار. وهى اشتقاق من (ماجرى) ويعني الذي حدث أو وقع.
-صحبةُ الماجرياتيين وأثرها في إفساد القلوب والعقول وضياع الأوقات وشرود الذهن وفوات العزيمة.
- انحطاط الهمة والعزيمة المترتبو على فتح الباب للمجرايات واللتان قد يتعسر المرء كثيراً في إستعادتهما مجدداً من بعد ذلك ولا يكون إلا ببذل جهدٍ كبير.
- الدوافع التي تجر الناس للخوض في هذه الحكايات والأخبار غير النافعة وبحثهم عن الإستئناس والتسلي بما لافائدة أو عائدٍ منه أو كما وصفه البعض قديماً وحديثاً بـ(الكلام الفارغ).
- وتطرق في الثاني إلى:
- اضطرابات إدمان الإنترنت وتصنيفها كأمراض بحاجة إلى تدخل علاجي أحيانا،ً حيث قد يعاني بعض مستخدمي الإنترنت من نفس تأثيرات لاعبي القمار ومتعاطي الكحوليات وكثيراً ما يواجهون نفس الأعراض الإنسحابية لأنواع الإدمانات الاخرى، وهي حالة تصيب الجسم عند التوقف المفاجئ عن المواد التي أدمن عليها..
والمقصود بالإدمان هاهنا هو إدمان المحتوى والتواصل مع الآخرين أو إقامة العلاقات الإجتماعية ومتابعة الأحداث إلخ، وليس إدمان الأجهزة التقنية نفسها حيث يؤكد من هنا الكاتب عدم ضرر هذه الأجهزة في ذاتها وإنما الأضرار تأتي من حيث الإستخدام..
-مفهوم التصفح القسري وهو عدم مقدرة الشخص على الإنضباط والتركيز أوالإلتزام بواجباته دون التسلل المستمر إلى شبكات ومواقع التواصل خلال الدروس والإجتماعات أو أوقات المذاكرة والبحث أوحتى في دور العبادة والمناسبات الرسمية والعائلة. وتصنيف هذا السلوك إلى سلوك إدماني قهري وليس مجرد عادة أومسلك طبيعي، فالفرق بينهما هو الصفة القهرية والعجز عن السيطرة والتحكم.
-الماجريات كإحدى آليات الهروب النفسي والإختباء من تعقيدات المهام والمطالب العلمية والعملية والإلتزامات اليومية، أو الإستجابة المستمرة للإلحاح النفسي الداخلي نحو زيارة المواقع والشبكات المفضلة في أوقات الضغط والإلزام أو الإرتباط بمهام صعبة وعمل ضروري!
كما تطرق أيضاً للكثير من المفاهيم والمصطلحات الأخرى المرتبطة ظاهرياً وجوهرياً بإدمان الماجريات الشبكية ومن أهمها:
- التصفح الملثم للعلماء والمجتهدين للتهرب من الوصمة المجتمعية.
- العمى الزمني الذي يسيطر على مدمني تلك الشبكات فينسيهم الإحساس بمرور الوقت.
- إدمان البيانات وتسلسل التصفح الذي يسببه الإرتباط والتعلق بالأحداث وتعقبها والتعقيب المستمر عليها.
- النبأ المتدحرج، ولحظات التسلسل، والإستمراء بمواطأة النظراء حيث يستأني الإنسان الفعل مع الوقت كلما زاد عدد الآتيين عليه دون إستدراك الخطأ والتضييع الذي يصيبه منه.
- المهاترات الشبكية والصراعات الواهية، وحجية كثرة الطرق.
- (لم تعد القضية قضية تبديد الزمن فقط بل تكشّف سقمٌ جديد أشد تعقيداً، ذلك أن هذه الحاله المشار لها، النابعة من اضطراب التوازن في التصفح الشبكي؛ تنتهي تدريجياً الى انحلال الدافعية وهبوط العزيمة، ومما يساعد بصورة رئيسة في تعزيز هذا الركون والإخلاد والإستنامة للواقع قلة الاتصال الممازج للمشروعات مُستتبَعًا مَقودًا في حراكها، بعد أن كان طرفا مُنتِجَا يستثمرها، وصارت أوقات بعض شباب الإسلام تُشوى على جمر الماجَرَيات، وتهبط تدريجاً إلى دركة مطاردة المهاترات، ومماراة المَسائِل الصغيرة، واستقصاء تعليقات الناس على كل نبأ حليل وهامشي، وتبخّر الانكباب على الجهود الجاده والمنظمة في المعرفة والسلوك والإصلاح، حتى انتهت بعض النفوس إلى حالة "كثرة الكلام وقلة العمل"، وتزداد الصورة تعقيداً ويتوهم المرء أنه في قلب عملية التغيير الاجتماعي وهو مجرد مراقب ومتفرج ومُعلّق لا -غير- ضمن ملايين المتفرّجين الذين وردوا على هذه الدنيا وغادروها وقد فاتهم شرف الحشر في رتل العلم والإصلاح).
- تحول بعد ذلك د.إبراهيم السكران في كتابه إلى أهم وأشمل الفصول وأكثرها تفصيلاً وهو (الماجريات السياسية)، لما يشمله ذلك من أهمية لكل المتعلقين والمنشغلين بهموم وآمال الإصلاح والتأثير، مفِصلاً دور وأنماط الإهتمام والمهتمين بالسياسة والإنشغال بها إلى خمسة أبواب مختلفة، قد دَلل على كل منها بنموذج إيجابي ُمعارض لها استطاع أن يتغلب عليها فيلزم اهتماماته وخططه الفكرية والإصلاحية دون الإنغماس والغرق فيما يدور ويجري من حوله أو يحيد به عن أهدافه الأهم في الحياه، وهي:
- نموذج لباب السياسة وقشورها: الشيخ البشير الإبراهيمي.
- نموذج الدروشة السياسية: المفكر العربي الجزائري مالك بن نبي.
- نموذج التفسير السياسي للإسلام: الشيخ أبو الحسن الندوي.
- نموذج السياسة الحدثية: المفكر الإسلامي الشهير د.عبد الوهاب المسيري.
- نموذج التضخم السياسي: الدكتور فريد الأنصاري.
- وقد قسم كل نموذج منهم إلى قسمين رئيسيين هما:
- محيط النموذج: والذي يتعرض فيه للمحات سريعة عن حياة الشيخ أو المفكر ونشأته واشتغاله بالعلم والتعلم والإنتاج الفكري أو المعرفي أولاً، متطرقاً إلى أهم منتوجاته ومنجزاته العلملة والفكرية والتحديات التي قابلها في حياته مع كيفية التعامل معها وتغلبه عليها إلخ، وهذه النقاط هامة حيث تخدم وجهة النظر الكلية للكاتب في الإستدلال ودراسة تجربته وتوظيفها في التأكيد على المعنى والنموذج المقصود.
- مكونات النموذج: ويدرس فيه كيفية تعامله مع الماجريات والأحداث من حوله ووجهة نظره المتبناه أو حكمه ورأيه فيها وفي الإنشغال بها والضوابط التي تضمن تناولها بما لايؤثر على حياة الإنسان وتأثيره بما يضمن آخرًا تحقيق الإستفادة الكلية من الوقت والحياة بجانب إحداث أقصى وأفضل تأثير مرجو في المجتمع المحيط دون الغرق في أحداثه والتأثر بالمتابعة المتفرجة أوالإستنامة للواقع بلا أدنى استفادة أو تأثير.
- (وبعد هذه الجولات في الماجريات الشبكية والفكرية والسياسية ستبقى المسألة أولاً وآخرًا مسألة"توزان"ويجب أن لا تستسلم لحالة الإنجراف في دوامة الماجريات بسبب تتابع كثير من الناس على ذلك، ويجب أن تكون هناك نقطة توافق تُعاد فيها الحسابات بشكل دقيق، فبسبب هذا الغوص في الماجريات اليومية باتت أنفاس الزمان تغادر فارغة، وجمعية القلب على الله تتبعثر، والكتب المُشتراة على حالها منذ آماد، والإنتاج الإصلاحي قد تجمّد، وآل الأمر الى "كثرة الكلام وقلة العمل"، ولاشيء أكثر حزناً من أن يتوهم الماجرياتي أنه في قلب عملية التغيير وفقه الواقع وهو مجرد مراقب ومتفرج لا غير).
- ويعود الكاتب أخيراً مرة أخرى إلى تقديم بعض الخلاصات والتذكير بالمفاهيم والأهداف الأساسية من أفكاره شارحاً وموضحاً النتائج التي قد يؤول إليها الإنسان نهايةً من وراء الإستنامة للواقع ومجرياته من إنشغال بالثرثرة عن العمل وبالمشاهدة عن التأثير، كما ذكَّرَنا أيضاً بأهمية الصوم عن الأخبار (الذي ينصح به في بعض الدراسات والأبحاث كعلاج لعددٍ من الحالات النفسية)، والغيرة على الزمن الذي ينظر إليه الكثير من العلماء والمفكرين كأنفاسٍ لقيمته العظيمة بخلاف التعبير السائد عنه بالدقائق أو الساعات.
- خلاصات:
(لاشيء يتواطأ عليه أهل العلم والإصلاح اليوم كالشجى من حجم التحديات أمام المجتمع المسلم، مثل الحاجة إلى إحياء الإيمان والتعلق بالله في كل دقائق الحياة وتجريد القصد له سبحانه وتفويض الأمور له، وتزكية الأخلاق والقيم، وبث الفقه في الدين، ورفع مستوى الثقافة الحادة، والنهضة بإمكانيات المجتمع المدنية، ومطالبة الحقوقية، ومناهضة التيار الجارف لإعادة تأويل أحكام الإسلام لينسجم مع ثقافة الغالب على مستوى الثقافة والتصور، ومناهضة التيار الجارف ليث التدهور الاخلاقي والقيمي وتطبيعه عبر الفنون المرئية والمسموعة على مستوى السلوك والآداب، ونحوها من المطالب الشريفة).
ويُختتم الكتاب بنصيحة هامة للجميع وللشباب خاصةً بحسن اختيار مصارف طاقة التفكير وإستغلال فترة الفتوة العلمية في تحصيل المعارف والعلوم التي لاحصر ولانهاية لها، والإنشغال فيما ينفع وتُرجى منه القيمة الحقيقية والفائدة دون غيره من، الأخبار والمحدثات اليومية العابرة، الفارغة من أي أهميـةٍ وتأثـير.
وبعد فالعلمُ جليلُ القدر
وفي قليله نفادُ العمرِ
فابدأ بما هو الأهمُ فالأهمّ
فاالحازم البادئ فيما يستتمّ
بالفعل الكتاب أكثر من رائع وهادف للغاية وقد أصبح الكتاب" بوصلتي".
- القارئة/ أسماء محمد
إرسال تعليق