U3F1ZWV6ZTE4OTE5ODMyNDAxMDQ5X0ZyZWUxMTkzNjI2NjI5MjY0OQ==

طـفلٌ بِقَلـبِ رَجُّـل| مَـنال الصُـبيحي

الحجم


 -

طفل بقلب رجل!


من المفارقات العجيبة أن الطفل تتشكل شخصيته وتتكون هويته الذاتية بما نتعامل معه، فإن عاملته كشخصٍ راشدٍ، مسؤولٌ عن نفسه وإخوته، ستجده يستخدم أساليب عقلانية معك! ويتحمل تبعات عمله ويتصرف على ضوء تلك المعاملة! وإن عاملته بالعكس كانت النتائج كذلك عكسية!


- فحين تعامله على أساس أنه رجل مسوؤل سيعمد إلى التعقل والرزانة، فيسدد ويقارب وينصح في إخوته ممثلًا دور الأب، وقد تراه ينبري لمسؤوليات عظيمة فلا يفلتها، لتبقى بعد ذلك مصدومًا لما أنجز منها، والأمثلة في التاريخ كثيرة تجدها في كل الأمم، والنماذج لذلك عديدة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ما روي عن والدة محمد الفاتح، -رحمهما الله- أنها سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتفتحن القسطنطينية فنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش جيشها " فتمنت لو أن هذا ولدها، وعزمت -متوكلة على الله- أن يكون إبنها هو، فربته متعاملة معه على أنه “الفاتح الكبير“ لا “الطفل الصغير“!


فحين أتت وهو يتخاصم مع الأطفال ،شدته بقوة من أطراف يده قائلة: أنت لست لهذا! أنت لفتح القسطنطينية يا محمد! ليذهب بعدها ماشيًا كالفاتح، تاركاً الصبية المتشاجرون ورائه، بدأت البناء والتأسيس في طفولته المبكرة، تأخذه لصلاة الفجر، لتريه أسوار القسطنطينية، وتقول له بكل ثقة: "يا محمد، أنت القائد الذي ستفتح هذه الأسوار، أسمك محمد وهو ما ينطبق على قول رسول الله، فأنت ستكون نعم الأمير". 


- فلا يبلغ بعدها “محمد الفاتح“ سن الواحدة والعشرون إلا وقد فتح الله على يده القسطنطينية، ونال بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تمنت أمه! وكما ربته وأدبته.


- فإنك أن أوحيت له أنه لا زال طفلاً لعوبًا، وشابًا طائشًا، وكان دأبك في تعاملك معه الصراخ والتعنيف الشديد، الذي يُمحي احترامه لنفسه، فإنك بذلك تقده إلى هلاكه وفساده، ليبقى على حاله من الطيش واللعب، حتى بعد بلوغه الأربعين! 


- وأنا هُنا أوصي بإيكاله المهمات المناسبة له، تلك التي تعتقد أنه يستطيع القيام بها دون أن تجعل العمر ميزانًا، بل اختبره بما يستطيع القيام به!

ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنه حين استأمر على الجيش “أسامة بن زيد“ وهو لم يكمل الثالثة عشرة من العمر، بل وجعل من وصاياه قبل موته -أن انفذوا بعث أسامة - وما وهذا إلا لمّا رأى فيه -عليه الصلاة والسلام- الاستطاعه على هذا العمل وعلمه بقدرته عليه.


ليس المقصد هنا أن يتحمل الطفل أكبر من قدره من المسؤوليات، والأعمال الشاقه، لا بل يجب عليك أن نعطيه كافة حقوقه، ونراعي فيه صغر سنه، ولكن عند معاملتنا اليومية معه نشعّره بأهميته، ونحسسه بمكانته، ونعليَّ من قدراته، ونظهر حفاوتنا بذلك، ونبين له أننا قد اعتمدت عليه وأنه موضع ثقه في كل الأحيان - ولايجب أن نعمل بهذا حرفياً- لكن يجب علينا إظهار ذلك ما قدرنا، كما علينا أن نبرز احترامنا له في العديد من المفارقات اليومية كأن نحترم خصوصيته، فلا نتدخل في شؤونه الخاصة -كغرفته مثلًا- إلا بإذنه ولا ناخذ من ماله إلا برضاه، ونتناقش معه بتعقل حول متطلبات البيت، وحال أصدقائه.


- كما أوصي بعدم القيام بما يجب عليه ٱداءه؛ كترتيب أغراضه، وتنظيم غرفته، وواجباته المنزلية، باختصار اعتنِ به كطفل وتعامل معه كراشد، ليخرج لنا جيل يحمل كيانه الخاص المليء بالثقة بالنفس والعزة بالهوية، القادر على تحمل المسؤوليات التي يرى أنه ملزمٌ بها، وكي لا نرى ما نرى من شباب يبلغون العشرينات من العمر ولا زالو كالأطفال طيشًا ومراهقةً وتدللًا، مضيفين إلى انعدام المسؤلية تجاه ذاتهم ومجتمعهم، واتكاليتهم الكاملة على آبائهم وأمهاتهم، مجونهم وقلة وعيهم، والله المستعان.


- #م_ص

الاسمبريد إلكترونيرسالة